إن للوقت أهمية وقيمة عظيمة، ولا شك أن إدراك الإنسان لقيمة وقته هو إدراك لوجوده ولوظيفته في الحياة، واستشعار للغاية التي من أجلها خلــقه الله عــز وجل، كما أن حسن استثمار الوقت فيما يرضي الله تبارك وتعالى يجب أن يكون على رأس أولويات المسلم في حياته اليومية.
حول أهمية الوقت في منظور الشرع تحدث فضيلة الدكتور عبدالله بن عواد الجهني، إمام المسجد الحرام بمكة المكرمة، مؤكدا أن الوقت هو رأس مال الإنسان في هذه الحياة، وأن آيات القرآن الكريم فيها بيان حكيم لأهمية الوقت وتدبر قيمته، والعاقل هو من يستغل وقته فيما ينفعه من أمور تعود عليه بالخير في دينه ودنياه وأخراه، غير أن الناظر في حال أمتنا اليوم يجد كثيرا من الناس يضيعون أوقاتهم هباء، بل ربما يفرحون لانقضاء الأيام والسنين، غافلين عن أن ذلك يقربهم من آجالهم، فحري بنا أن نستغل أوقاتنا وأعمارنا فيما يعود علينا بالنفع والفائدة، لاسيما وأنا مقبلون على موسم إيماني عظيم، موسم الطاعات والخيرات، فينبغي علينا أن نستعد له أفضل استعداد؛ بأن نجدد التوبة، وأن نرد كل مظلمة، وأن يستقبل كل منا هذا الشهر بقلب سليم ونفس مطمئنة، شاكرا ربه عز وجل أن بلغه الشهر، فكم من محروم لم ينل فرصة أن يرفع يدا للدعاء في ليل الشهر الكريم.
وأفضل ما يمكن أن يملأ وقت المسلم هو كتاب الله عز وجل، فشهر رمضان هو شهر القرآن، فيه كان السلف الصالح ينكبون على كتاب الله لا يبرحون، منهم من كان يختم كل ثلاث ليال، ومنهم من كان يختم كل سبع، فحري بنا أن نقتفي آثارهم ونستن بسنتهم الطيبة.
كما أن رصيد الحسنات الجارية يمكِّن المسلم من الاستثمار الأمثل للوقت، فهو مجال خصب وثري لعمل الصالحات، وهو يحث المؤمن على أن يضع هذا الهدف نصب عينيه، لذا ينبغي أن ينشغل المسلم بالعبادة والطاعات وقراءة القرآن، أو مطالعة كتاب في التفسير أو الحديث، أو المشاركة في نقاش حول مسألة فقهية أو علمية.
أيضا من الأمور التي يحث على فعلها المداومة على مجالسة العلماء، وثني الركب عندهم، فلا أفضل على وجه الأرض من طلب العلم وصحبة العلماء.
من الأمور التي ينبغي علينا كذلك أن نتقرب بها إلى الله عز وجل كثرة النوافل والعبادات، ومن ذلك قيام الليل، فشرف المؤمن قيام ليله، وعزه في الاستغناء عن الناس، وفي الحديث القدسي يتنزل الله تبارك وتعالى في الثلث الأخير من كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول (هل من داع فأستجيب له، هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له) [رواه مسلم]، فكيف لو أن كل واحد منا التمس هذا الوقت ليناجي ربه؟ ليكون ممن وصفهم رب العزة في سورة الذاريات ﴿كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)﴾.
جانب آخر لاستثمار الوقت هو التفكر في حال إخواننا المعسرين، والسعي في قضاء حاجاتهم، هذا الأمر في غاية الأهمية، ونعمة وعبادة عظيمة لمن سخره الله لنفع المسلمين، والسعي في مساعدة ذوي الحاجة.
ويضيف فضيلة الشيخ أننا مسؤولون أمام الله عن كل ساعة وكل دقيقة تمر من أعمارنا، وعلينا أن نعد للسؤال جوابا، فإن الكَيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، كما أن الوقت أغلى من أن يهدر في أحاديث فارغة ومجالس غيبة، على المسلم أن يبتعد عنها ويتجنب مثل هذه الأمور، وأن يشغل نفسه بالطاعات، فإن أوقاتنا ثمينة ينبغي علينا أن ندرك عظمها وخطورة التفريط فيها دون نفع أو فائدة، ولنحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل.